سورة القصص - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)}
اليم: البحر. قيل: هو نيل مصر.
فإن قلت: ما المراد بالخوفين حتى أوجب أحدهما ونهى عن الآخر؟ قلت: أما الأوّل فالخوف عليه من القتل؛ لأنه كان إذا صاح خافت أن يسمع الجيران صوته فينموا عليه. وأما الثاني، فالخوف عليه من الغرق ومن الضياع ومن الوقوع في يد بعض العيون المبثوثة من قبل فرعون في تطلب الولدان، وغير ذلك من المخاوف.
فإن قلت: ما الفرق بين الخوف والحزن؟ قلت: الخوف غم يلحق الإنسان لمتوقع. والحزن: غم يلحقه لواقع وهو فراقه والإخطار به، فنهيت عنهما جميعاً، وأومنت بالوحي إليها، ووعدت ما يسليها ويطامن قلبها ويملؤها غبطة وسروراً: وهو ردّه إليها وجعله من المرسلين.
وروي: أنه ذبح في طلب موسى عليه السلام تسعون ألف وليد.
وروي: أنها حين أقربت وضربها الطلق وكانت بعض القوابل الموكلات بحبالى بني إسرائيل مصافية لها، فقالت لها: لينفعني حبك اليوم، فعالجتها، فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عينيه، وارتعش كل مفصل منها، ودخل حبه قلبها، ثم قالت: ما جئتك إلا لأقبل مولودك وأخبر فرعون، ولكني وجدت لابنك حباً ما وجدت مثله فاحفظيه، فلما خرجت جاء عيون فرعون، فلفته في خرقة ووضعته في تنور مسجور، لم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها، فطلبوا فلم يجدوا شيئاً، فخرجوا وهي لا تدري مكانه، فسمعت بكاءه من التنور، فانطلقت إليه وقد جعل الله النار عليه برداً وسلاماً. فلما ألح فرعون في طلب الولدان أوحى الله إليها فألقته في اليم. وقد روي أنها أرضعته ثلاثة أشهر في تابوت من بردي مطلي بالقار من داخله.


{فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)}
اللام في {لِيَكُونَ} هي لام كي التي معناها التعليل، كقولك: جئتك لتكرمني سواء بسواء ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة، لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوّاً وحزناً، ولكن: المحبة والتبني، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته، شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله، وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء، والتأدب الذي هو ثمرة الضرب في قولك: ضربته ليتأدّب. وتحريره: أن هذه اللام حكمها حكم الأسد، حيث استعيرت لما يشبه التعليل، كما يستعار الأسد لمن يشبه الأسد. وقرئ: {وحزناً} وهما لغتان: كالعُدم والعَدم {كَانُواْ خاطئين} في كل شيء، فليس خطؤهم في تربية عدوّهم ببدع منهم. أو كانوا مذنبين مجرمين، فعاقبهم الله بأن ربي عدوّهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم. وقرئ: {خاطين}، تخفيف خاطئين، أو خاطين الصواب إلى الخطأ.


{وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)}
روي أنهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه، فلم يقدروا عليه، فعالجوا كسره فأعياهم، فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نوراً، فعالجته ففتحته، فإذا بصبيّ نوره بين عينيه وهو يمصّ إبهامه لبناً فأحبوه، وكانت لفرعون بنت برصاء، وقالت له الأطباء: لا تبرأ إلا من، قبل البحر، يوجد فيه شبه إنسان دواؤها ريقه، فلطخت البرصاء برصها بريقه فبرأت.
وقيل لما نظرت إلى وجهه برأت، فقالت: إن هذه لنسمة مباركة، فهذا أحد ما عطفهم عليه، فقال الغواة من قومه: هو الصبي الذي نحذر منه، فأذن لنا في قتله، فهمّ بذلك فقالت آسية {قُرَّةُ عَيْنٍ لّى وَلَكَ} فقال فرعون: لك لا لي.
وروي في حديث: «لو قالَ هوَ قرّةُ عين لي كما هُوَ لَكَ، لهداهُ اللَّهُ كما هداهَا»، وهذا على سبيل الفرض والتقدير، أي: لو كان غير مطبوع على قلبه كآسية لقال مثل قولها، ولأسلم كما أسلمت: هذا إن صح الحديث تأويله، والله أعلم بصحته.
وروي أنها قالت له: لعله من قوم آخرين ليس من بني إسرائيل. {قُرَّةُ عَيْنٍ}: خبر مبتدأ محذوف ولا يقوى أن تجعله مبتدأ و{لاَ تَقْتُلُوهُ} خبراً، ولو نصب لكان أقوى. وقراءة ابن مسعود رضي الله عنه دليل على أنه خبر، قرأ: {لا تقتلوه قرّة عين لي ولك}، بتقديم (لا تقتلوه). {عسى أَن يَنفَعَنَا} فإنّ فيه مخايل اليمن ودلائل النفع لأهله، وذلك لما عاينت من النور وارتضاع الإبهام وبرء البرصاء، ولعلها توسمت في سيماه النجابة المؤذنة بكونه نفاعاً. أو نتبناه، فإنه أهل للتبني، ولأن يكون ولداً لبعض الملوك.
فإن قلت: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} حال، فما ذو حالها؟ قلت: ذو حالها آل فرعون. وتقدير الكلام: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً، وقالت امرأة فرعون كذا وهم لا يشعرون أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه وتبنيه. وقوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ} الآية: جملة اعتراضية واقعة بين المعطوف والمعطوف عليه، مؤكدة لمعنى خطئهم. وماأحسن نظم هذا الكلام عند المرتاض بعلم محاسن النظم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8